بسم الله الرحمن الرحيم
.. مقامة ..
( الفُرقاء )
بلغني أيها القارئ
السعيد ، ذو العمر المديد ، أنه كان يا ما كان ، في حديث الأزمان ، بلدٌ كبير ، ناسُه
كثير ، ضجّوا بالحال ، فقالوا : لنُغيّرَنّ المَآل ، فقاموا في فورَة ، تحسبُها
للأسُود سَورَة ، فلما قرّ القرار ، قالوا : لنُحدِّدَن المسَار ، فاتفقوا بالإجماع
، على انتخاب مِن يُسمع له و يُطاع ، فلما جاء الخبَر ، نكَرَه من نكَر ، قالوا : ما
نحن بمُسَلِّمين ، أيحكُمنا مسكين ؟! فظلَّ من الدهر شهور ، و الأرضُ من تحتِه
تمور ، حتى انفجر بُركان ، و كان للحِمَمِ جرَيَان ، فلبِث في السجن بضعَ سنين ، بين آلامٍ و أنين ،
حتى جاءَهُ الإفراج ، من خالِق الأبراج ، فقام الفريقان يختصمون ، من يقول له
الجِنان و من يصرخ : كفاكم جُنون ! ، فما يزالون في جدال ، حتى يفرق بينهم المُتَعَال
، في يوم الفصْل ، يوم الجدِّ لا الهزل ، فإن كنتَ صاغٍ فإنّهُم صَاغُون ، و ارتقِبْ
إنَّهُم مرتَقِبُون .