بسم الله الرحمن الرحيم
.. من الكتب ..
( ابتهال )
إلهي:
أفْضَلتَ فعمَّ إفضالُكَ.
وأنعمتَ فتمَّ نَوالُكَ.
وستَرْتَ الذُّنوبَ فتكامَل إحسانُكَ.
وغَفَرْتَ العيوب فتواصلَ غفرانُكَ.
إلهي:
لك الحمد على عقلٍ ثَقَّفْتَه.
ولك الحمد على فَهمٍ وفَّقْتَه.
ولك الحمد على توفيقٍ أهدَيْتَه.
ولك الحمد من حائرٍ هدَيْتَه.
جلَّ جلالُك فتعالى.
وتمَّ نوالُك فتوالى.
وسرى رِفقُكَ فتتالى.
وجرى رزقُك حلالًا.
تعالَيْتَ في دُنوِّكَ، وتَقرَّبْتَ في عُلوِّك.
ولا يُدركك وَهْمٌ، ولا يُحيطُ بكَ فَهْمٌ.
وتنزَّهتَ في أحدِيَّتِكَ عن بدايةٍ.
وتعظَّمْتَ في إلهيَّتِكَ عن نهايةٍ.
فأنت الواحد لا مِنْ عدَدٍ، الباقي بعدَ الأبد.
لك خضعَ مَنْ ركعَ، كما ذَلَّ مَنْ سَجَد.
وبك اهتدَى مَنْ طلَب، وأدرَك مَنْ وجَد.
لم تلدْ ولم تُولدْ، ولم يكن لك كُفؤًا أحد.
كيف يُحيطُ بكَ عِلْمٌ أنت خلقْتَه؟
أم كيف يُدركُكَ بَصرٌ أنت شَقَقْتَه؟
أم كيف يدنو منك فِكرٌ أنت وفَّقْتَه؟
أم كيف يَشكرُ لك لِسانٌ أنت أنطَقْتَه؟
إذا تلمَّحَتْ عظمَتَكَ أبصارُ البصائرِ عادتْ
بنورِ سُلطانِكَ كليلةً.
وإذا تجمَّعَتْ عظائمُ الجرائمِ كانت في جَنْبِ
غُفرانكَ قليلةً.
سبقْتَ السَّبْقَ فأنت الأوَّلُ.
وخلقْتَ الخَلْق فعليك المعوَّلُ.
وعُدْتَ إذْ جُدْتَ يا خيرَ مَنْ تطوَّل.
عجبًا للقلوبِ كيف استمرَّتْ على الأُنْس
بسوَاكَ؟
وللأرواحِ كيف استقرَّتْ والعيونُ في المصنوعِ
تَراكَ؟
وللألْسُنِ كيف شكَرتْ مَن لا يَقدر على شيءٍ
لولاكَ؟
وللنفوس كيف سَكِرَتْ مِنْ غيرِ شراب جَدْوَاكَ؟
وللأقدامِ كيف سعَتْ إلى غيرِ محبوبِك ورضَاكَ؟
وللأموال كيف جُمِعَتْ وقد استَقْرَضْتَها، هلَّا
جادُوا بذاكَ؟
كيف يُناجيكَ في الصلوات مَنْ يَعصيكَ في
الخَلَواتِ؟
أم كيف يدعوك للكُربات منْ يَنساكَ عند
الشَّهواتِ؟
كيف صمَتَت الألْسُنُ بالليلِ وقد قُلتَ: (هل
مِنْ سائل؟)؟
وكيف كفَّت الأكُفُّ عنكَ وسيلُ الجُودِ سَائِل؟
وكيف سَها عن خطابِكَ مَنْ لم تقطعْهُ الرسائِل؟
وكيف بِيعَ ما يَبقى بما يَفنى وإنما هي أيامٌ
قلائل؟
يا رُوحَ القلوبِ: أين طُلَّابُكَ؟
يا نورَ السماواتِ والأرضِ: أين أحبَابُكَ؟
يا رَبَّ الأربابِ: أين عُبَّادُكَ؟
يا مُسبِّبَ الأسبابِ: أين قُصَّادُك؟
مَن الذي عامَلكَ بلُبِّه فلمْ يَربَح؟
مَن الذي جاءَكَ بكرْبِه فلمْ يَفرَح؟
أيُّ صَدْرٍ صَدَرَ عن بابِكَ ولمْ يُشرَح؟
مَن الذي لاذَ بجنابِكَ فاشتَهَى أن يَبرَح؟
واهًا لقلوبٍ مالَتْ إلى غيرِك، ماذا أرادَتْ؟
ولنفوسٍ تُحبُّ الرَّاحةَ، هلَّا طلَبَتْ منكَ
واستفادَتْ؟
ولعزُومٍ سَعَتْ إلى مرضاتِكَ، ما الذي رَدَّها
فعادَتْ؟
هل نقصَتْ أموالٌ اقتَرضْتَها؟ لا وحقِّكَ بل
زادَتْ.
سبَق اختيارُك فبَطَلَت الِحيَلُ.
وجرَت أقدارُكَ فما يَنفَعُ العَمَلُ.
وتقدَّمَتْ محبَّتُك لأقوامٍ قبل خَلْقِهم في
الأزَلِ.
وغضِبْتَ على أقوامٍ فلمْ يَنفعْ مُطيعَهم ما
فَعَل.
فلا حَوْلَ عن عِصيانِك إلا بإرادتِكَ.
ولا قُوَّةَ على طاعتِكَ إلَّا بإعانَتِكَ.
ولا مَلجَأ منك إلَّا إليْكَ.
ولا خيرَ يُرجَى إلَّا في يَدَيْكَ.
يا مَنْ بيدِه وحُكْمِه القلوبُ، أَصْلِحْ
قُلوبَنا.
ويا مَنْ قَلَّتْ في حِلمِه الذُّنوبُ، اغفِرْ
ذُنوبَنا.
ويا مُصلِحَ الأسرارِ، صَفِّ أسرارَنا.
ويا مُربِحَ الأخيارِ، عَفِّ1 أكدارَنا.
قد أتَيْناكَ طالِبِينَ، فلا تَرُدَّنا خائبينَ.
وجِئناكَ تائِبينَ، فاجعَلْنا
بالرِّضَا آيبينَ.
وحضَرْنا بابَكَ سائِلينَ، فلا تجعَلْنا إلى
غيرِكَ مائِلينَ.
وأصلِحْ كلَّ قلبٍ منَّا قد قسَا ما يَلِين.
واسْلُكْ بنا مِنهاجَ المتَّقِين.
وألْبِسْنا خِلَعَ الإيمانِ واليَقين.
وحَصِّنَّا بدرُوعِ الصِّدقِ؛ فإنهنَّ يَقين2 .
ولا تجعَلْنا ممنْ يُعاهِدُ على
التوبةِ ويَمِين3 .
وانقُلْنا برحمتِكَ مِنْ أهلِ الشِّمالِ إلى أهلِ
اليَمين.
برحمتك يا أرحمَ الراحمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل التاسع والستون
من كتاب
"تحفة الواعظ، ونزهة الملاحظ" لابن
الجوزي رحمه الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق