بسم
الله الرحمن الرحيم
( الحنطة السوداء )
قصة
أطفال لـ هانس كريستيان أندرسن
مرارًا
وعندما يمر المرء بحقول حبوب الحنطة السوداء ، بعد جوٍّ عاصف يرى أنها صارت سوداء
يابسة و كأن لهب النار قد مشى فوقها ، حينها يقول الفلاح : هذا كان بسبب نار البرق
..
ولكن لماذا صارت الحبوب هكذا
!
سأخبركم
بما أخبرني العصفور به ، والذي سمعه من شجرة صفصاف هَرِمَة ، كانت في حقل الحنطة
السوداء وماتزال ، إنها شجرة صفصاف كبيرة موقّرة ، ولكن التجاعيد تملؤها وهي عجوز
، وقد انشقّ جذعها في منتصفه تمامًا ، ونما في الشق العشب والعليق ، كانت أغصانها
تتفرع من الأعلى ، وتتدلى إلى الأرض ، وكأن للشجرة شعرًا طويلاً أخضر اللون
.
في كل الحقول المجاورة نمت الحبوب كالزوان والشعير والشوفان ، الشوفان
كان جميلاً ، بل يبدو عندما ينضج تمامًا مثل جمعٍ من طيور كناري صُفر على غصن ،
كانت الحبوب مباركة ، وكلما ثقلت حباتها ازدادت انحناءً وتواضعاً
.
كان هناك أيضاً حقل حنطةٍ سوداء ، وهذا الحقل كان قريباً من شجرة
الصفصاف ، الحنطة السوداء لم تنحن إطلاقاً ، كما انحنت الحبوب الأخرى ، بل اشرأبّت
رؤوسها مغرورةً منتصبة !
ـ أو
لستُ غنيّةً مثل سنبلة ؟! قالت الحنطة السوداء ..
ـ بل
وفوق ذلك فأنا أجمل بكثير ، أزهاري الجميلة مثل زهور شجرة تفاح ، إنها لمتعةٌ
النظر إليّ و إليها ، هل رأيتِ من هم أجمل منا يا شجرة الصفصاف؟
و هزت شجرة الصفصاف رأسها ، تريد بذلك قول : أجل ، رأيت في الحقيقة من
هم أجمل ، ولكن الحنطة نفخت رأسها تعاليًا ليس إلا ، وقالت :
ـ أيتها
الشجرة الحمقاء ، أنت عجوز خرِفة تنمو الحشائش في بطنك .
وانقلب الجو فجأة عاصفًا ، فأطبقت كل زهور الحقول أوراقها ، وأحنت
رؤوسها الرقيقة عندما هبّت العاصفة ، بينما بقيت الحنطةالسوداء مشرئبّة العنق زهواً
..
=
احنِ رأسك مثلنا ! قالت الزهور ..
ـ
لست بحاجة إلى ذلك !
^ احنِ
رأسك مثلنا ! صاحت الحبوب ..
سيأتي ملاك الريح طائرًا ، لديه أجنحة تمتد من
أعلى الغيم حتى الأرض ، سيقطع رأسك قبل أن تتمكني من ترجِّيهِ طالبةً الرحمة !
ـ
ولكني لا أريد أن أنحني !! قالت الحنطة .
* أغلقي أزهارك واحنِ أوراقك . قالت شجرة
الصفصاف ..
لا تنظري عاليًا تجاه البرق ، عندما تتفجّر
الغيوم ، حتى البشر لا يجرؤ على ذلك ، إذ في البرق يمكن للمرء أن يرى سماء الله ،
ولكن هذا النظر يمكن أن يعمي البشر ، يمكن أن يحدث لنا كل شيء ، نحن ننبت من الأرض
، هل نتجرأ على ذلك ! ونحن أكثر قماءة من البشر بكثير ؟
ـ (أكثر
قماءة بكثير !؟) قالت الحنطة السوداء ..
سأنظر إلى سماء الله مباشرة !
وقد فعلتْ ذلك بتعالٍ وغرور !!
حينها كأن العالم بأجمعه شبّ لهبًا ..
هكذا أبرقت السماء .
وعندما مرّت العاصفة ؛ كانت الزهور والحبوب منتعشة
بالمطر وسط الهواء ، الهادئ النقي ، أما الحنطة السوداء فقد تفحمت من البرق !
كانت ميتة !
عشبة
لا تنفع في الحقل .
وحرّكت شجرة الصفصاف أغصانها في الريح ، حينها سقطت قطرة ماء كبيرة ،
من أوراقها الخضر وكأن الشجرة أخذت تبكي !
فسألها العصفور : لم تبكين ؟ كل شيء مباركٌ هنا
، انظري إلى هذه الشمس المشرقة ، والغيوم الراحلة ، ألا تتنسّمين عطر الأزهار
والشجيرات ، لماذا تبكين أيتها الشجرة العجوز؟
وحكت
شجرة الصفصاف له قصة غرور الحنطة السوداء وتعاليها ، والعقاب الذي يأتي دومًا
نتيجةً لذلك ..
وأنا الذي أحكي هذه القصة قد سمعتها من العصفور
، لقد حكاها لي ذات مساء ، عندما رجوته أن يحكي لي حكاية خرافية
.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتبت
في عام 1842م
من
كتاب : قصص
و حكايات خرافية
الكاتب
: هانس كريستيان أندرسن
ترجمة
: دنى غالي ، ستي غاسمسون
معلومات عن الحنطة السوداء هنا